Hypocognition "نقص المعرفة"
عدم القدرة على التواصل اللغوي" هو أداة رقابية تكتم ما يخاجلنا من مشاعر
هل بإمكانك إيجاد الرمز المختلف عن البقية؟
إنه نفس الشيء الذي رأيته قبل، ولكن مع نسبة استدارة ٩٠ درجة نحو اليمين. إلّا أن هذه المرة كانت أسهل في تحديد الرمز المختلف.
السبب الذي يكمن وراء قدرتنا على تمييز الرقم ٢ عن الرقم ٥ هو أننا قمنا بتطوير صورة ذهنية ذات معنى لهذه الأرقام العددية في عقولنا منذ الصغر
لو لم نعتمد هذه الصورة الذهنية، لما كانت هذه الأرقام سوى مجموعة من الخطوط ذات الزوايا، بنفس الشكل الذي أربكنا عندما نظرنا إلى ذاك الرمز المتشابك في الصورة الأولى: مُبهَم ولا يمكن تمييزه ومن الصعب تفريقه عن الأشكال المجاورة له.
انه لشعور غريب أن نعيش نتمى لو كانت لدينا الكلمات المناسبة لوصفها واللغة الدقيقة لوصفها. وفي مثل هذه الحالة، فإننا نعاني من ما يسمى ب Hypocognition "عدم القدرة القدرة على التواصل اللغوي" والتي تعني فقداننا للتمثيل اللغوي أو الإدراكي لمفهوم ما لوصف أفكارنا أو تفصيل تجاربنا.
تم إدراج هذا المصطلح لأول مرة في حقول العلم السلوكي من قبل عالم الأنثروبولوجيا الأمريكي روبيرت ليڤي، والذي قام بتوثيق ملاحظات غريبة عام ١٩٧٣: مفادها أن التاهيتيين (أهل جزيرة تاهيتي) لا يبدوا أي حزن عند فقدانهم لشخص مقرب، بل يمرضون ويشعرون بالغرابة.
لم يستطيعوا التعبير عن الأسى، وذلك نتيجة لعدم وجود معنى لها من
الأساس.
فالتاهيتيون في تعبيرهم عن الحب أو الفقدان، أو حتى صراعهم مع الموت والظلام، لم يعانوا من الحزن، بل من فقدانهم ما يساعدهم في التعبير عنه.
في الواقع، لا أحد في مأمن من "عدم القدرة على التواصل اللغوي". ففي بحثي مع الأخصائي النفسي، ديڤيد داننج، من جامعة ميتشيغان، قمنا بسؤال المشاركين الأمريكيين عن معرفتهم بمصطلح "التحيز الجنسي الخيري".
إن لم تسمع به مسبقاً، فهو عبارة عن مصطلح يصف موقفاً شهماً يبدو مواتاً تجاه النساء. إلّا أنه في الواقع يعزز الأدوار التقليدية ويديم الصورة النمطية للجنسين.
عندما يقول بروفيسور:"النساء عبارة عن مخلوقات هشة ورقيقة"، أو عندما يمزح أحد الجيران بقوله:"أترك زوجتي تتعامل مع ألوان الطلاء، فالنساء جيدات بهكذا أمور"، فإنك تشعر بجو من عدم الراحة. فإن هكذا تعليقات تعكس التحيز الجنسي الخيري، وذلك لأنها تبدو مجاملات، إلّا أنها في الواقع تحمل افتراضات بأن النساء إما فتيات هشات بحاجة إلى حماية، أو أنهن ربات منزل افتراضياً.
وعندما سألناهم: كم مرة لاحظت تعليقات أو تصرفات ذات طابع تحيز جنسي خيري خلال فترة الأسبوعين الماضيين؟
فقد كانت النتائج صادمة. حيث أن الأشخاص الذين يعانون من عدم القدرة على التواصل اللغوي لم يلاحظوا هذه التعليقات بمقدار الأشخاص المحيطون بهكذا مصطلح. فالافتقار إلى مفهوم التحيز الجنسي الخيري يعميك عن حدوثه. أما معرفته تجعل وجوده واضحًا.
وعلى الجانب الآخر، فإن لم تسمع بمصطلح shoeburyness (الشعور بعدم الراحة نتيجة الجلوس على مقعد لا يزال ساخناً إثر جلوس شخص سابق)، فإنك محظوظ. فإن الأشخاص الذين يعرفون هذا المصطلح يعانون من الشعور الناتج عن هذا الجلوس أكثر من الأشخاص المفتقدين لهذا المصطلح.
يصعب علاج عدم القدرة على التواصل اللغوي بسهولة بمجرد اكتساب كلمة جديدة. ولا تنجح "الكلمات المشهورة" كثيرًا في أن تصبح تراكيب دائمة للمُعجم. ومع ذلك، فإن انتشار كلمات جديدة قد يؤدي إلى التأكيد على لحظات القلق غير المعلنة، ومن ثم إلى سحابة متبلورة من القلق في العالم الحديث.
قبل أن أعرف ما معنى phubbing (تجاهل الشخص الآخر بسبب الإنشغال على الهاتف)، لم استخدمها في وصف أصدقائي عندما كانوا يتجاهلونني بانشغالهم على هواتفهم في وسط محادثاتنا.
والآن ... لا زلت أجهل ذلك - حتى عندما أكون أنا نفسي بالكاد أقاوم الرغبة في الإدمان الالكتروني “figital”، والتي تعني استخدام الأجهزة الرقمية بشكل مفرط.
لكن للأسف، على الرغم من أنني بعيد كل البعد عن التخلص من الآثار الكبيرة للإدمان الالكتروني، إلّا أنني لم أعد على دراية ووعي بها.
وكما يؤكد علم النفس المعرفي، فإن وجود تسمية لفظية - حتى لو لم تكن منطقية أو واضحة - يمكن أن يوضح ظاهرة غامضة لتصبح تجربة أكثر فورية وملموسة.
إذا كان الشرط الأساسي لمعالجة المشكلة هو تحديدها، فماذا يحدث عندما يظل المعرِّف (المفتاح اللغوي المستخدم للإشارة إلى الأشياء) غير معرَّف؟
في وصف ترتيب عائلته غير التقليدي، لاحظ الكاتب الأمريكي أندرو سولومون افتقار اللغة إلى ما يصف التعقيدات المستحدثة في الأمور المترابطة (كسلالة العائلة).
وفي حالة عدم وجود قاموس موسع، فإننا نفتقر إلى الدلالات التي يحدها الواصفات التقليدية للأسرة النواة.
حيث كتب سولومون في صحيفة الغارديان عام 2017: "غالبًا ما نُسأل أنا وزوجي ما إذا كانت أم ابننا جورج البديلة" مثل عمة ". وسُئلنا من هو" الأم حقًا ". حيث أنه يُسأل الوالدان العازبان بشكل روتيني عن شعور "الأم والأب في ذات الوقت".
إلّا أن الجانب الأسوأ لعدم القدرة على التعبير اللغوي هو ذلك الناتج عن نوايا ذات دوافع هادفة. هناك جزء غالبًا ما يتم تجاهله من أطروحة ليفي عن التاهيتيين، ذلك الجزء المتعلق بسبب عدم وجود المصطلح اللغوي الذي يعبر عن شعور الحزن.
وكما اتضح، فإنه لم يكن لدى التاهيتيين معرفة خاصة فيما يتعلق بشعور الحزن. ومع ذلك، حافظ المجتمع عمداً على المعرفة العامة المتعلقة بهذا الشعور المفتقر للاصطلاح اللغوي، وذلك لتجنب التعبير عنه بشكل كامل.
وقد تم استخدام اصطلاح "Hypocognition" (عدم القدرة على التواصل اللغوي) كشكل من أشكال التحكم الاجتماعي، وهو تكتيك مخادع لتبديد المفاهيم غير المرغوب فيها بشكل صريح من خلال عدم التطرق إليها. بعد كل شيء، كيف يمكنك أن تشعر بشيء غير موجود في المقام الأول؟
يمكن أن يكون الفقر اللغوي المتعمد وسيلة فعالة للتحكم في المعلومات. في عام ٢٠١٠، قال الكاتب الصيني المتمرد هان هان لشبكة "سي ان ان" إن أي كتابات تحتوي على عبارة "حكومة" أو "شيوعية" سوف تخضع للرقابة من قبل شرطة الإنترنت الصينية. ومن المفارقات أن جهود الرقابة هذه أخفت الكثير من المديح من المدونات المؤيدة للقيادة. الثناء المليء بالحيوية مثل "تحيا الحكومة!" سوف يخضع للرقابة أيضًا، لمجرد ذكر "الحكومة".
نظرة فاحصة تكشف عن الأعمال السرية فيما يتعلق بالفقر اللغوي. فبدلاً من توبيخ التعليقات السلبية ومكافأة الثناء، تمنع الحكومة الوصول إلى أي مناقشة ذات صلة بتلك المصطلحات تماماً، مما يجعل أي إدراك مفاهيمي للمعلومات الحساسة سياسيًا فقيرًا في الوعي العام.
حيث قال هان هان "إنهم لا يريدون أن يناقش الناس الأحداث. إنهم يدعون ببساطة أن شيئًا لم يحدث ... هذا هو هدفهم".
تنظيم ما يقال أصعب من ضمان عدم قول أي شيء. فخطر الصمت ليس اختناقاً للأفكار. إنها فقط تولد حالة من اللامبالاة والتي لا تتشكل فيها أي فكرة.
ومع ذلك، أود أن أعتقد أن محاولة إدراك مفهوم ما يمكن أن تدفع في كثير من الأحيان لحاجة أكثر إلحاحًا للتعبير عنه.
إن ظهور لغة موحدة لـ حركة MeToo (وهي عبارة عن وسم (هاشتاغ) لإدانة واستنكار الاعتداء والتحرش الجنسي وذلك على خلفية فضيحة هارفي واينستين الجنسية التي وجهتها عشرات النساء لمنتج أفلام هوليوود البارز هارفي واينستين) يعطي صوتًا لأولئك الذين أُجبروا على الصمت. فتجسيد مسرد جنساني جديد في عام 2017 يضفي مصداقية على وجود أولئك الذين تختلف هويتهم عن الثنائيات الثابتة للرجل والمرأة.
الأفكار والفئات التي لم يتم تصورها بعد تترك إمكانيات طموحة مفتوحة للتقدم في المستقبل. بين الحين والآخر، سيظهر مصطلح جديد. سوف ينفجر مفهوم جديد - لإعطاء معنى لمسارات الحياة التي كانت ممنوعة من الاعتراف سابقاً، وغرس الحياة في نبضاتنا الصغيرة، ولرواية القصص التي يجب روايتها
بيلسان زينة
Comments
Post a Comment